لغة

السلهام الأزرق, العباءة التي نُسجت بحبّ وفخ

عندما صنعت نجيّة الرداء الأزرق، شقّت طريقاً للوصول إلى قلوب نساء قريتها.

النساء يحرّكن الجبال

من بين جميع رحلات التاكسي التي إستقليتها في حياتي، كانت هناك واحدة لا تنسى. كأنّما وقعت بالأمس.
 
وأنا في مقعدي في مقدمة السيارة، شدّتني رائحة زكية تفوح من الخلف. وما هي إلا لحظات حتى اكتشفت مصدرها: هناك في المقعد الخلفي، جلست راكبة أخرى في ركن من التاكسي منتظرة موعد الانطلاق وهي تضم إكليلا رائعا من الزهور إلى صدرها .
_ ما أروعها!"، خاطبتها مندهشة من جمال الاكليل.
 
بفخر يشع من عينيها قالت لي أنّها حصلت على باقة الزهور بعد أن حققّت المركز الثالث في سباق الماراثون صباح ذلك اليوم الذي تزامن مع اليوم العالمي للمرأة. هنأتها على هذا الإنجاز المثير، لكن الراكب الآخر الذي كان يجلس بجانبها - شاب في مقتبل العمر، لم يبد انطباعًا إيجابياً. كان يتمتم تهكما على المرأة : ". ماراثون النساء؟ مهزلة!"، قال متضجراً وهو يقارنها بوالدته حيث يرى أنّه من الأنسب لتلك المرأة أن تكون في المنزل مثل والدته لإعداد ما يلزم لإطعام أسرتها.
 
ظلت المرأة صامتة بينما حاولت أن أتدخّل. وفجأة قالت بهدوء "شكراً لك عزيزتي، لكني لم أعد أكثرت لمثل هذا الكلام". ثم إلتفتت للشاب وأردفت:
_ لقد بقيت مستيقظة حتى منتصف ليلة البارحة أعدّ الغذاء و أوفر كل ما يمكن أن تحتاجه أسرتي في غيابي كي أتفرغ لهذا الحدث. لا عليك فأنا قادرة على تحريك الجبال عربون حبٍّ لعائلتي، حافزي وسندي الأول.
 
لم يعقب الشاب وبقى صامتا طوال الرحلة. ولكن عند بلوغه وجهته، تأن قليلاً ثم نظر إلى المرأة وهو يشير إلى إكليل الزهور، و بابتسامة صادقة هنأها على إنجازها قبل أن يمضي لحاله..
حينها أيقنت أنّ الأمر يحتاج لدقائق فقط -مدة رحلة تاكسي قصيرة - لإقناع مشكك بقدرات النساء بقوة عزمهنّ وإستماتتهن من أجل تحقيق المستحيل.

نجية: ريادة التغيير في دوار أيت رادي

عندما التقيت نجيّة في يونيو 2023، تذكّرت على الفور تلك المرأة في سيارة الأجرة. فنجيّة، رئيسة تعاونية إيمينوزريغ النسائية المتخصصة في الملابس التقليدية، تملك نفس القوة الكامنة وراء طبعها الهادئ. وقد كانت هذه الصفة مصدر قوةٍ لها في نضالها لإسماع صوتها في مجتمعها الصغير.
من يصدق أنّ نساء قرية أيت رادي لا يتمتعنّ بنفس الحريات الاجتماعية كنظيراتهنّ في مراكش، والتي تبعد فقط 30 كيلومترًا عن قريتهن!. فنجيّة، على عكس إخوتها، لم تذهب إلى المدرسة. وبديعة، إحدى عضوات الجمعية التي تتميز بقدر كبير من الذكاء، أجبرت على ترك الدراسة وعمرها لم يتجاوز 13 سنة آنذاك لتتزوج من رجل يكبرها بعشرين عامًا. في مثل هذه البيئة القروية، واجهت نجيةّ العديد من التحدّيات أثناء سعيها لإنشاء التعاونية.

 

"لن تتخيلوا أبداً مدى الصلابة والشجاعة التي احتاجتهما نجية لإقناع آبائنا وأزواجنا وإخواننا بالسماح لنا بالانضمام إلى التعاونية!'' تقول بديعة.

 

عندما أسّست نجية تعاونية إيمينوزريغ عام 2019، كانت تستخدم آلات الخياطة القديمة التي ورثتها عن جدّتها ووالدتها لتعليم نساء دوار أيت رادي فنّ صناعة الملابس التقليدية. ولكن مع نمو التعاونية، بدا جليا أنّه من أجل تلبية الطلبات، ستحتاج نساء التعاونية إلى آلات جديدة و متطورة تضمن لهنّ العمل بكفاءة أكبر و تحقيق إنتاج أفضل .

A Moroccan woman wearing a green dress and beige hijab smiles, behind her a rack of colorful clothing items
A stylized open door displays the entrance of the Iminouzreg cooperative.
Hands of three women sew by hand
Image
A young woman wearing a blue dress and beige hijab stiches an item of clothing with a sewing machine.

وفي عام 2022، تقدمت نجيّة بطلب للحصول على تمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وGiveDirectly، والذي كان يهدف إلى دعم التعاونيات المتضررة للتعافي والنمو في أوقات الركود الاقتصادي. "كنت متفائلة جداً لأنّني كنت على يقين بأنّني استجبت لجميع المعايير المطلوبة"، قالت بفخر وهي تتحدث عن تجربتها. وبعد مدة، تلقت نجيّة خبر اختيار تعاونية إيمينوزريغ من ضمن 1400 تعاونية لاستلام المنحة النقدية المباشرة.


بفضل التمويل، استطاعت نجيّة شراء ما تحتاجه من مواد أولية وآلات الخياطة الأوتوماتيكية الجديدة. واكتشفت متعة متابعة شغفها بالخياطة بعد حصولها على المعدات المناسبة لتطوير عمل التعاونية.


زاد الإنتاج، وبدأت نساء التعاونية في صنع الملابس لأطفالهنّ وأفراد أسرهنّ، والأصدقاء والجيران وزبناء آخرين. كما بدأنّ في تلقي الطلبات لمناسبات خاصة كالأعراس والأعياد.
اكتشفت نساء التعاونية شعوراً جديداً بالاستقلالية والاكتفاء. كنّ يخطن ملابس لقريتهن بعمل أيديهن ويحققنّ دخلاً من خلاله. زادت ثقتهنّ بأنفسهنّ أكثر و أصبحن ينظرن لنجيّة كقدوة بين نساء دوار أيت رادي.

A white traditional Moroccan dress is held up to demonstrate the details of its jeweled trimming. Women wearing hijabs work in the background, facing away from the camera.
A Moroccan woman in aqua-colored dress and hijab sits and works with a specialized embroidery tool.

صناعة السلهام الأزرق

كانت والدة نجيّة تردّد دائماً أن العمل الشاق يكافأ دائماً. "هذه المنحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي مكافأة كبيرة لم أكن لأحلم بها أبداً"، قالت نجيّة بصوت متحشرج. "ولم أكن لأحلم بهذه الفرصة أيضاً"، أضافت مشيرةً إلى السلهام الأزرق، الذي صنعته خصيصاً لزيارة السيدة الأولى الدكتورة جيل بايدن لمراكش في يونيو 2023.


كانت نجيّة من بين ست نساء من التعاونيات التي تلقت منحاً من خلال برنامج تمويل التعاونيات والتي تم اختيارهنّ للقاء الدكتورة بايدن. وبينما كانت تحاول البحث عن أفضل وسيلة لتقديم عمل تعاونتيها للسيدة الأولى، فّكرت نجيّة في مجموعة متنوعة من الملابس التقليدية المغربية قبل أن أن يتم اختيارها على السلهام المغربي، ليس فقط لسهولة ارتدائه ولكن لمعناه المتجذر في الثقافة المغربية حيث علّقت على ذلك بكونه يعبّر بشكل كبير عن تراثنا وثقافتنا.

لطالما كان رمزًا للأناقة والنبل والهيبة.


 

" لم أخطط أبدا لأن تجرّبه السيدة الأولى"، قالت نجيّة وهي تتذكّر اللّحظة. "لكنّها كانت لطيفة جداً، تناديني باسمي وتسألني أسئلة عن التعاونية! وكنت متلهّفة جداً لرؤية كيف ستتفاعل مع السلهام".  وهكذا طلبت نجيّة بخجل إذا ما يمكن للسيدة الأولى أن تجرّبه، وكانت الإجابة "نعم".


كانت نجيّة "كومة من الأعصاب" وهي تساعد الدكتورة بايدن على ارتداء السلهام. "ربما شعرت [بذلك] عندما أحنت رأسها بلطف لمساعدتي". في تلك اللحظة، شعرت نجيّة بالاطمئنان. "عندما رأيت كم بدت جميلة في الرداء الأزرق، بدأت أومئ لنفسي وأبتسم كالمجنونة.. لا كلمات تسعف لوصف سعادتي".

 

A group of women, mostly hijab-wearing, pose with First Lady Dr. Jill Biden, who is wearing a traditional Moroccan cape that is blue. A USAID project banner is displayed behind them, and it is sunny.
Image
A Moroccan woman in a light blue dress and multi-colored hijab inspects a traditional Moroccan cape on a mannequin. A sewing machine can be seen in the lower left corner, and a variety of traditional dresses hang on a rack behind the woman.

حديث البلدة

نجيّة هي قصة النجاح التي طالما رغبت فيها وانتظرتها نساء القرية.

"هل شاهدتم نجيّة مع السيدة الأولى على التلفاز؟" يتسائل أزواجهنّ في القرية، مضيفين بفخر، "إنّها رئيسة تعاونية إيمينوزريغ، حيث تعمل زوجتي!" ضحكت نساء التعاونية معًا، وهنّ يناقشن هذا التغيير اللافت في مواقف أزواجهن.


أصبح السلهام الأزرق بعدها فخر دوار أيت رادي. و أصبحت العديد من النساء متحمسات للانضمام إلى التعاونية لتعلّم كيفية صناعة هذا الرداء الكلاسيكي الجميل. وقدمت أخريات طلباتهنّ للحصول على نسهخنّ من السلهام المخاط يدوياً.


وقفت نجّية عند باب التعاونية، وهي تشاركني دهشتها:

أحس برياح التغيير تهبّ على قريتي. أكاد لا أصدق أنّني أعيش هذه اللحظات الاستثنائية ".

 

وعندما حكيت لنجّية قصة المرأة في سيارة الأجرة، قالت:

"لحسن الحظ، لم نستمع نحن أيضًا! لحسن الحظ، آمنّا بأحلامنا وقدراتنا. و لكن ما كنّا لنحققها لولا منحة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)"، وأضافت:"إنها جاءت في وقت مثالي وفي طيها رسالةٌ أدركت جيداً معناها: فلا يكفي معرفة إلى أين تريد الوصول ... يجب أن تعمل وكأنك قد وصلت بالفعل''.

Photo
Ten Moroccan women in colorful dress, all wearing hijab, pose in their workshop facing the camera.

Learn more about the Cooperative Financing Program

Story by Zohra Zeroual

Photos by Margaret Sullivan and Katie Bercegeay

 

Related Stories